فصل: تفسير الآية رقم (66)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ‏)‏، وَلَقَدْ عَرَفْتُمْ‏.‏ كَقَوْلِكَ‏:‏ قَدْ عَلِمْتُ أَخَاكَ وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُهُ‏"‏، يَعْنِي عَرَفْتُهُ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَنْفَالِ‏:‏ 60‏]‏، يَعْنِي‏:‏ لَا تَعْرِفُونَهُمُ اللَّهُ يَعْرِفُهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ‏}‏، أَيِ الَّذِينَ تَجَاوَزُوا حَدِّي، وَرَكِبُوا مَا نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَعَصَوْا أَمْرِي‏.‏

وَقَدْ دَلَّلْتُ- فِيمَا مَضَى- عَلَى أَنَّ ‏"‏ الِاعْتِدَاءَ‏"‏، أَصْلُهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ‏.‏ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذِهِ الْآيَةُ وَآيَاتٌ بَعْدَهَا تَتْلُوهَا، مِمَّا عَدَّدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ- الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ خِلَالِ دَوْرِ الْأَنْصَارِ زَمَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِينَ ابْتَدَأَ بِذِكْرِهِمْ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ نَكْثِ أَسْلَافِهِمْ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ- مَا كَانُوا يُبْرِمُونَ مِنَ الْعُقُودِ، وَحَذَّرَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ- بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَمَقَامِهِمْ عَلَى جُحُودِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَهُ وَالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ- مِثْلُ الَّذِي حَلَّ بِأَوَائِلِهِمْ مِنَ الْمَسْخِ وَالرَّجْفِ وَالصَّعْقِ، وَمَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ‏.‏ كَالَّذِي‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَقَدْ عَرَفْتُمْ‏.‏ وَهَذَا تَحْذِيرٌ لَهُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ احْذَرُوا أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَ أَصْحَابَ السَّبْتِ، إِذْ عَصَوْنِي، اعْتَدَوْا- يَقُولُ‏:‏ اجْتَرَؤُوا- فِي السَّبْتِ‏.‏ قَالَ‏:‏ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أَمَرَهُ بِالْجُمُعَةِ، وَأَخْبَرَهُ بِفَضْلِهَا وَعَظَّمَهَا فِي السَّمَوَاتِ وَعِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَأَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ فِيهَا‏.‏ فَمَنِ اتَّبَعَ الْأَنْبِيَاءَ فِيمَا مَضَى كَمَا اتَّبَعَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا، قَبِلَ الْجُمُعَةَ وَسَمِعَ وَأَطَاعَ، وَعَرَفَ فَضْلَهَا وَثَبَتَ عَلَيْهَا، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، كَانَ بِمَنْـزِلَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ لِمُوسَى- حِينَ أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِفَضْلِهَا-‏:‏ يَا مُوسَى، كَيْفَ تَأْمُرُنَا بِالْجُمُعَةِ وَتُفَضِّلُهَا عَلَى الْأَيَّامِ كُلِّهَا، وَالسَّبْتُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ كُلِّهَا، لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْأَقْوَاتَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَسَبَتَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ مُطِيعًا يَوْمَ السَّبْتِ، وَكَانَ آخِرَ السِّتَّةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ قَالَتِ النَّصَارَى لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ- حِينَ أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ- قَالُوا لَهُ‏:‏ كَيْفَ تَأْمُرُنَا بِالْجُمُعَةِ وَأَوَّلُ الْأَيَّامِ أَفْضَلُهَا وَسَيِّدُهَا، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَاللَّهُ وَاحِدٌ، وَالْوَاحِدُ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ‏؟‏ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى‏:‏ أَنْ دَعْهُمْ وَالْأَحَدَ، وَلَكِنْ لِيَفْعَلُوا فِيهِ كَذَا وَكَذَا‏.‏- مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ‏.‏ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَصَّ اللَّهُ تَعَالَى قَصَصَهُمْ فِي الْكِتَابِ بِمَعْصِيَتِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى- حِينَ قَالَتْ لَهُ الْيَهُودُ مَا قَالُوا فِي أَمْرِ السَّبْتِ-‏:‏ أَنْ دَعْهُمْ وَالسَّبْتَ، فَلَا يَصِيدُوا فِيهِ سَمَكًا وَلَا غَيْرَهُ، وَلَا يَعْمَلُوا شَيْئًا كَمَا قَالُوا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَكَانَ إِذَا كَانَ السَّبْتُ ظَهَرَتِ الْحِيتَانُ عَلَى الْمَاءِ، فَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 163‏]‏، يَقُولُ‏:‏ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْمَاءِ، ذَلِكَ لِمَعْصِيَتِهِمْ مُوسَى- وَإِذَا كَانَ غَيْرُ يَوْمِ السَّبْتِ، صَارَتْ صَيْدًا كَسَائِرِ الْأَيَّامِ فَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 163‏]‏‏.‏ فَفَعَلَتِ الْحِيتَانُ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ‏.‏ فَلَمَّا رَأَوْهَا كَذَلِكَ، طَمِعُوا فِي أَخْذِهَا وَخَافُوا الْعُقُوبَةَ، فَتَنَاوَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهَا فَلَمْ تَمْتَنِعْ عَلَيْهِ، وَحَذِرَ الْعُقُوبَةَ الَّتِي حَذَّرَهُمْ مُوسَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تَحِلُّ بِهِمْ، عَادُوا، وَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَنَّهُمْ قَدْ أَخَذُوا السَّمَكَ وَلَمْ يُصِبْهُمْ شَيْءٌ، فَكَثِرُوا فِي ذَلِكَ، وَظَنُّوا أَنَّ مَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى كَانَ بَاطِلًا‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏- يَقُولُ‏:‏ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَادُوا السَّمَكَ- فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ قِرَدَةً بِمَعْصِيَتِهِمْ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ إِذًا لَمْ يُحْيَوْا فِي الْأَرْضِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ‏.‏ ‏[‏قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَعِشْ مَسْخٌ قَطُّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏]‏ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَنْسِلْ‏.‏ وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَسَائِرَ الْخَلْقِ فِي السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ‏.‏ فَمُسِخَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِي صُورَةِ الْقِرَدَةِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِمَنْ شَاءَ، كَمَا يَشَاءُ، وَيُحَوِّلُهُ كَمَا يَشَاءُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْيَوْمَ الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي عِيدِكُمْ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ-‏.‏ فَخَالَفُوا إِلَى السَّبْتِ فَعَظَّمُوهُ، وَتَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ‏.‏ فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا لُزُومَ السَّبْتِ، ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ فِيهِ، فَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ لَهُمْ فِي غَيْرِهِ‏.‏ وَكَانُوا فِي قَرْيَةٍ بَيْنَ أَيْلَةَ وَالطُّورِ يُقَالُ لَهَا ‏"‏ مَدْيَنُ‏"‏‏.‏ فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي السَّبْتِ الْحِيتَانَ‏:‏ صَيْدَهَا وَأَكْلَهَا‏.‏ وَكَانُوا إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَقْبَلَتْ إِلَيْهِمْ شُرَّعًا إِلَى سَاحِلِ بَحْرِهِمْ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ السَّبْتُ ذَهَبْنَ، فَلَمْ يَرَوْا حُوتًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا‏.‏ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَتَيْنَ إِلَيْهِمْ شُرَّعًا، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ السَّبْتُ ذَهَبْنَ‏.‏ فَكَانُوا كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ وقَرِمُوا إِلَى الْحِيتَانِ، عَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَأَخَذَ حُوتًا سِرًّا يَوْمَ السَّبْتِ، فَخَزَمَهُ بِخَيْطٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْمَاءِ، وَأَوْتَدَ لَهُ وَتَدًا فِي السَّاحِلِ فَأَوْثَقَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ‏.‏ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ، جَاءَ فَأَخَذَهُ- أَيْ‏:‏ إِنِّي لَمْ آخُذْهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ- ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ فَأَكَلَهُ‏.‏ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ الْآخَرِ، عَادَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَوَجَدَ النَّاسُ رِيحَ الْحِيتَانِ، فَقَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ‏:‏ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْنَا رِيحَ الْحِيتَانِ‏!‏ ثُمَّ عَثَرُوا عَلَى صَنِيعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَفَعَلُوا كَمَا فَعَلَ، وَأَكَلُوا سِرًّا زَمَانًا طَوِيلًا لَمْ يُعَجِّلِ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِعُقُوبَةٍ، حَتَّى صَادُوهَا عَلَانِيَةً وَبَاعُوهَا بِالْأَسْوَاقِ‏.‏ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَقِيَّةِ‏:‏ وَيْحَكُمُ‏!‏ اتَّقُوا اللَّهَ‏!‏ وَنَهَوْهُمْ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ‏.‏ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ تَأْكُلِ الْحِيتَانَ، وَلَمْ تَنْهَ الْقَوْمَ عَمَّا صَنَعُوا‏:‏ ‏{‏لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ‏}‏ لِسُخْطِنَا أَعْمَالَهُمْ- ‏(‏وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ‏)‏ ‏[‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 164‏]‏، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ فِي أَنْدِيَتِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ، وَفَقَدُوا النَّاسَ فَلَا يَرَوْنَهُمْ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ‏:‏ إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا‏!‏ فَانْظُرُوا مَا هُوَ‏!‏ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فِي دُورِهِمْ، فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَةً عَلَيْهِمْ، قَدْ دَخَلُوا لَيْلًا فَغَلَّقُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، كَمَا يُغْلِقُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فِيهَا قِرَدَةً، وَإِنَّهُمْ لَيَعْرِفُونَ الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْدٌ، وَالْمَرْأَةَ بِعَيْنِهَا وَإِنَّهَا لَقِرْدَةٌ، وَالصَّبِيَّ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْدٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَنْجَى الَّذِينَ نَهَوْا عَنِ السُّوءِ، لَقُلْنَا أَهْلَكَ الْجَمِيعَ مِنْهُمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَهِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 163‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏‏:‏ أُحِلَّتْ لَهُمُ الْحِيتَانُ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ بَلَاءً مِنَ اللَّهِ، لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ‏.‏ فَصَارَ الْقَوْمُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ‏:‏ فَأَمَّا صِنْفٌ فَأَمْسَكَ وَنَهَى عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا صِنْفٌ فَأَمْسَكَ عَنْ حُرْمَةِ اللَّهِ، وَأَمَّا صِنْفٌ فَانْتَهَكَ حُرْمَةَ اللَّهِ وَمَرَدَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ‏.‏ فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا الِاعْتِدَاءَ إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏ فَصَارُوا قِرَدَةً لَهَا أَذْنَابٌ، تَعَاوَى بَعْدَ مَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ‏}‏، قَالَ‏:‏ نُهُوا عَنْ صَيْدِ الْحِيتَانِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَكَانَتْ تَشْرَعُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ، وَبُلُوا بِذَلِكَ، فَاعْتَدَوْا فَاصْطَادُوهَا، فَجَعَلَهُمُ اللَّهُ قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَهُمْ أَهْلُ ‏"‏ أَيْلَةَ‏"‏، وَهِيَ الْقَرْيَةُ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ، فَكَانَتِ الْحِيتَانُ إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ- وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْيَهُودِ أَنْ يَعْمَلُوا فِي السَّبْتِ شَيْئًا- لَمْ يَبْقَ فِي الْبَحْرِ حُوتٌ إِلَّا خَرَجَ، حَتَّى يُخْرِجْنَ خَرَاطِيمَهُنَّ مِنَ الْمَاءِ‏.‏ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَزِمْنَ سُفْلَ الْبَحْرِ فَلَمْ يُرَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ السَّبْتِ‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 163‏]‏، فَاشْتَهَى بَعْضُهُمُ السَّمَكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَحْفِرُ الْحَفِيرَةَ وَيَجْعَلُ لَهَا نَهْرًا إِلَى الْبَحْرِ‏.‏ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ فَتْحَ النَّهْرَ، فَأَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ يَضْرِبُهَا حَتَّى يُلْقِيَهَا فِي الْحَفِيرَةِ‏.‏ وَيُرِيدُ الْحُوتُ أَنْ يَخْرُجَ، فَلَا يُطِيقُ مِنْ أَجْلِ قِلَّةِ مَاءِ النَّهْرِ، فَيَمْكُثُ ‏[‏فِيهَا‏]‏‏.‏ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ جَاءَ فَأَخَذَهُ‏.‏ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَشْوِي السَّمَكَ، فَيَجِدُ جَارُهُ رِيحَهُ، فَيَسْأَلُهُ فَيُخْبِرُهُ، فَيَصْنَعُ مِثْلَ مَا صَنَعَ جَارُهُ‏.‏ حَتَّى إِذَا فَشَا فِيهِمْ أَكْلُ السَّمَكِ، قَالَ لَهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ‏:‏ وَيْحَكُمْ‏!‏ إِنَّمَا تَصْطَادُونَ السَّمَكَ يَوْمَ السَّبْتِ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ إِنَّمَا صِدْنَاهُ يَوْمَ الْأَحَدِ حِينَ أَخَذْنَاهُ، فَقَالَ الْفُقَهَاءُ‏:‏ لَا وَلَكِنَّكُمْ صِدْتُمُوهُ يَوْمَ فَتَحْتُمْ لَهُ الْمَاءَ فَدَخَلَ‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ لَا‏!‏ وَعَتَوْا أَنْ يَنْتَهُوا‏.‏ فَقَالَ بَعْضُ الَّذِينَ نَهَوْهُمْ لِبَعْضٍ‏:‏ ‏{‏لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 164‏]‏، يَقُولُ‏:‏ لِمَ تَعِظُونَهُمْ، وَقَدْ وَعَظْتُمُوهُمْ فَلَمْ يُطِيعُوكُمْ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏{‏مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 164‏]‏‏.‏ فَلَمَّا أَبَوْا قَالَ الْمُسْلِمُونَ‏:‏ وَاللَّهِ لَا نُسَاكِنُكُمْ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ‏.‏ فَقَسَمُوا الْقَرْيَةَ بِجِدَارٍ، فَفَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بَابًا وَالْمُعْتَدُونَ فِي السَّبْتِ بَابًا، وَلَعَنَهُمْ دَاوُدُ‏.‏ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَخْرُجُونَ مِنْ بَابِهِمْ وَالْكُفَّارُ مِنْ بَابِهِمْ‏.‏ فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَلَمْ يَفْتَحِ الْكُفَّارُ بَابَهُمْ‏.‏ فَلَمَّا أَبْطَأُوا عَلَيْهِمْ، تَسَوَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمُ الْحَائِطَ، فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ يَثِبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَفَتَحُوا عَنْهُمْ، فَذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَافِ‏:‏ 166‏]‏، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَةِ‏:‏ 78‏]‏، فَهُمُ الْقِرَدَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ لَمْ يُمْسَخُوا، إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ، مِثْلُ مَا ضَرَبَ مَثَلَ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ مُسِخَتْ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُمْسَخُوا قِرَدَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ لَهُمْ، كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ، قَوْلٌ لِظَاهِرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ مُخَالِفٌ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ‏:‏ ‏(‏أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً‏)‏ ‏[‏النِّسَاءِ‏:‏ 153‏]‏، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَصْعَقَهُمْ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ رَبَّهُمْ، وَأَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعِجْلَ، فَجَعَلَ تَوْبَتَهُمْ قَتْلَ أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَقَالُوا لِنَبِيِّهِمُ‏:‏ ‏{‏اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَةِ‏:‏ 24‏]‏ فَابْتَلَاهُمْ بِالتِّيهِ‏.‏ فَسَوَاءٌ قَائِلٌ قَالَ‏:‏ هُمْ لَمْ يَمْسَخْهُمْ قِرَدَةً، وَقَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ جَعَلَ مِنْهُمْ قِرَدَةَ وَخَنَازِيرَ- وَآخَرٌ قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ- مِنَ الْخِلَافِ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَالنَّكَالِ وَالْعُقُوبَاتِ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ بِهِمْ‏.‏ وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَأَقَرَّ بِآخَرٍ مِنْهُ، سُئِلَ الْبُرْهَانَ عَلَى قَوْلِهِ، وَعُورِضَ- فِيمَا أَنْكَرَ مِنْ ذَلِكَ- بِمَا أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ يُسْأَلُ الْفَرْقَ مِنْ خَبَرٍ مُسْتَفِيضٍ أَوْ أَثَرٍ صَحِيحٍ‏.‏

هَذَا مَعَ خِلَافِ قَوْلِ مُجَاهِدٍ قَوْلَ جَمِيعِ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا الْخَطَأُ وَالْكَذِبُ فِيمَا نَقَلَتْهُ مُجْمِعَةً عَلَيْهِ‏.‏ وَكَفَى دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ قَوْلٍ، إِجْمَاعُهَا عَلَى تَخْطِئَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَقُلْنَا لَهُمْ‏)‏ أَيْ‏:‏ فَقُلْنَا لِلَّذِينِ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ- يَعْنِي فِي يَوْمِ السَّبْتِ‏.‏

وَأَصْلُ ‏"‏السَّبْت‏"‏ الْهُدُوِّ وَالسُّكُونُ فِي رَاحَةٍ وَدَعَةٍ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلنَّائِمِ ‏"‏مَسْبُوت‏"‏ لِهُدُوِّهِ وَسُكُونِ جَسَدِهِ وَاسْتِرَاحَتِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا‏}‏ ‏[‏النَّبَأِ‏:‏ 9‏]‏ أَيْ رَاحَةً لِأَجْسَادِكُمْ‏.‏ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏(‏سَبِتَ فُلَانٌ يَسْبُتُ سَبْتًا‏)‏‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّهُ سُمِّيَ ‏"‏ سَبْتًا‏"‏، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَرَغَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ- وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قَبْلَهُ- مِنْ خَلْقِ جَمِيعِ خَلْقِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏، أَيْ‏:‏ صِيرُوا كَذَلِكَ‏.‏

وَ ‏"‏الْخَاسِئ‏"‏ الْمُبْعَدُ الْمَطْرُودُ، كَمَا يَخْسَأُ الْكَلْبُ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏(‏خَسَأْتُهُ أَخْسَؤُهُ خَسْأً وَخُسُوءًا، وَهُوَ يَخْسَأُ خُسُوءًا‏)‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏ خَسَأْتُهُ فَخَسَأَ وَانْخَسَأَ‏"‏‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ‏:‏

كَالْكَلْبِ إِنْ قُلْتَ لَهُ اخْسَأِ انْخَسَأَ ***

يَعْنِي‏:‏ إِنْ طَرَدَتَهُ انْطَرَدَ ذَلِيلًا صَاغِرًا‏.‏

فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏ أَيْ، مُبْعَدِينَ مِنَ الْخَيْرِ أَذِلَّاءَ صُغَرَاءَ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ صَاغِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏خَاسِئِينَ‏)‏، قَالَ‏:‏ صَاغِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏، أَيْ أَذِلَّةً صَاغِرِينَ‏.‏

وَحُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ خَاسِئًا، يَعْنِي ذَلِيلًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ‏"‏الْهَاءِ وَالْأَلِف‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏، وَعَلَامَ هِيَ عَائِدَةٌ‏؟‏ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا قَوْلَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا مَا‏:‏

حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏ فَجَعَلْنَا تِلْكَ الْعُقُوبَةَ- وَهِيَ الْمِسْخَةُ- ‏"‏ نَكَالًا‏"‏‏.‏

فَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏- عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا- كِنَايَةٌ عَنِ ‏"‏الْمِسْخَةِ‏"‏، وَهِي‏"‏ فِعْلَةٌ ‏"‏ مَسَخَهُمُ اللَّهُ مِسْخَةً‏.‏

فَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ‏:‏ فَقُلْنَا لَهُمْ‏:‏ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ، فَصَارُوا قِرَدَةً مَمْسُوخِينَ، ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏، فَجَعَلْنَا عُقُوبَتَنَا وَمَسْخَنَا إِيَّاهُمْ، ‏{‏نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ‏}‏‏.‏

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ مِنْ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَا‏:‏

حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏، يَعْنِي الْحِيتَانَ‏.‏

وَ ‏"‏الْهَاءُ وَالْأَلِف‏"‏- عَلَى هَذَا الْقَوْلِ- مِنْ ذِكْرِ الْحِيتَانِ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ‏.‏ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي الْخَبَرِ دَلَالَةٌ، كُنِّيَ عَنْ ذِكْرِهَا‏.‏ وَالدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ فَجَعَلْنَا الْقَرْيَةَ الَّتِي اعْتَدَى أَهْلُهَا فِي السَّبْتِ‏.‏ فَـ ‏"‏الْهَاء‏"‏ وَ‏"‏ الْأَلِفُ ‏"‏- فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ- كِنَايَةٌ عَنْ قَرْيَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ مُسِخُوا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ فَجَعَلْنَا الْقِرَدَةَ الَّذِينَ مُسِخُوا ‏"‏نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏"‏، فَجَعَلُوا‏"‏ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ ‏"‏ كِنَايَةً عَنِ الْقِرَدَةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏، يَعْنِي بِهِ‏:‏ فَجَعَلْنَا الْأُمَّةَ الَّتِي اعْتَدَتْ فِي السَّبْتِ ‏"‏ نَكَالًا‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏نَكَالًا‏)‏

وَ ‏"‏النَّكَال‏"‏ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏(‏نَكَّلَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ تَنْكِيلًا وَنَكَالًا‏)‏‏.‏ وَأَصِل‏"‏ النَّكَالِ‏"‏، الْعُقُوبَةُ، كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْعِبَادِيُّ‏:‏

لَا يَسْخَطُ الضِّلِّيلُ مَا يَسَعُ الْعَبْ *** دَ وَلَا فِي نَكَالِهِ تَنْكِيرُ

وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَّ الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏نَكَالًا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ عُقُوبَةً‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا‏)‏، أَيْ عُقُوبَةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا‏:‏

حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لِيَحْذَرَ مَنْ بَعْدَهُمْ عُقُوبَتِي‏.‏ ‏(‏وَمَا خَلْفَهَا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ الَّذِينَ كَانُوا بَقُوا مَعَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏، لِمَا خَلَا لَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، ‏(‏وَمَا خَلْفَهَا‏)‏، أَيْ عِبْرَةً لِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا‏:‏

حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَينِ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏، أَيْ مِنَ الْقُرَى‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا‏:‏

حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ اللَّهُ ‏{‏فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا‏}‏- مِنَ ذُنُوبِ الْقَوْمِ- ‏(‏وَمَا خَلْفَهَا‏)‏، أَيْ لِلْحِيتَانِ الَّتِي أَصَابُوا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا‏)‏، مِنْ ذُنُوبِهَا، ‏(‏وَمَا خَلْفَهَا‏)‏، مِنَ الْحِيتَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا‏)‏، مَا مَضَى مِنْ خَطَايَاهُمْ إِلَى أَنْ هَلَكُوا بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ‏(‏بَيْنَ يَدَيْهَا‏)‏، مَا مَضَى مِنْ خَطَايَاهُمْ، ‏(‏وَمَا خَلْفَهَا‏)‏ خَطَايَاهُمُ الَّتِي هَلَكُوا بِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ- إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏وَمَا خَلْفَهَا‏)‏، خَطِيئَتُهُمُ الَّتِي هَلَكُوا بِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا‏:‏

حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَمَّا ‏"‏مَا بَيْنَ يَدَيْهَا‏"‏ فَمَا سَلَفَ مِنْ عَمَلِهِمْ، ‏(‏وَمَا خَلْفَهَا‏)‏، فَمَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، أَنْ يَعْصُوا فَيَصْنَعُ اللَّهُ بِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا‏:‏

حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ، ‏{‏فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏، يَعْنِي الْحِيتَانَ، جَعَلَهَا نَكَالًا ‏"‏ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏"‏، مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي عَمِلُوا قَبْلَ الْحِيتَانِ، وَمَا عَمِلُوا بَعْدَ الْحِيتَانِ‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، مَا رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏ وَذَلِكَ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ ‏"‏الْهَاءَ وَالْأَلِف‏"‏- فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا‏)‏- بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْعُقُوبَةِ وَالْمَسْخَةِ الَّتِي مَسَخَهَا الْقَوْمَ، أَوْلَى مِنْهَا بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ غَيْرِهَا‏.‏ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا يُحَذِّرُ خَلْقَهُ بَأْسَهُ وَسَطْوَتَهُ، بِذَلِكَ يُخَوِّفُهُمْ‏.‏ وَفِي إِبَانَتِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏نَكَالًا‏)‏‏:‏ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْعُقُوبَةَ الَّتِي أَحَلَّهَا بِالْقَوْمِ- مَا يُعْلِمُ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏)‏، فَجَعَلْنَا عُقُوبَتَنَا الَّتِي أَحْلَلْنَاهَا بِهِمْ عُقُوبَةً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا- دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعَانِي‏.‏ وَإِذْ كَانَتِ ‏"‏الْهَاءُ وَالْأَلِف‏"‏- بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْخَةِ وَالْعُقُوبَةِ، أَوْلَى مِنْهَا بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ غَيْرِهَا؛ فَكَذَلِكَ الْعَائِدُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا‏}‏ مِنَ ‏"‏الْهَاءِ وَالْأَلِفِ ‏"‏‏:‏ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْر‏"‏ الْهَاءِ وَالْأَلِفِ ‏"‏ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏، أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ ‏[‏ذِكْرِ‏]‏ غَيْرِهِ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ- إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا-‏:‏ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ، فَجَعَلْنَا عُقُوبَتَنَا لَهُمْ عُقُوبَةً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ ذُنُوبِهِمُ السَّالِفَةِ مِنْهُمْ، بِمَسْخِنَا إِيَّاهُمْ وَعُقُوبَتِنَا لَهُمْ- وَلِمَا خَلْفَ عُقُوبَتِنَا لَهُمْ مِنْ أَمْثَالِ ذُنُوبِهِمْ‏:‏ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا عَامِلٌ، فَيُمْسَخُوا مِثْلَ مَا مُسِخُوا، وَأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْلُ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ، تَحْذِيرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ‏:‏ أَنْ يَأْتُوا مِنْ مَعَاصِيهِ مِثْلَ الَّذِي أَتَى الْمَمْسُوخُونَ، فَيُعَاقَبُوا عُقُوبَتَهُمْ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِي قَالَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏، يَعْنِي الْحِيتَانَ، عُقُوبَةً لِمَا بَيْنَ يَدَيِ الْحِيتَانِ مِنْ ذُنُوبِ الْقَوْمِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ ذُنُوبِهِمْ- فَإِنَّهُ أَبْعَدُ فِي الِانْتِزَاعِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْحِيتَانَ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ فَيُقَالُ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلْنَاهَا‏)‏‏.‏ فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ- وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَرَى لِلْحِيتَانِ ذِكْرٌ- لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُكَنِّي عَنِ الِاسْمِ وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُتْرَكَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ- وَالْمَعْقُولُ بِهِ ظَاهِرٌ فِي الْخِطَابِ وَالتَّنْـزِيلِ- إِلَى بَاطِنٍ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ التَّنْـزِيلِ، وَلَا خَبَرَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْقُولٌ، وَلَا فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ إِجْمَاعٌ مُسْتَفِيضٌ‏.‏

وَأَمَّا تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ‏:‏ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا مِنَ الْقُرَى وَمَا خَلْفَهَا، فَيُنْظَرُ إِلَى تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ‏:‏ بِمَا بَيْنَ يَدَيِ الْحِيتَانِ وَمَا خَلْفَهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَوْعِظَةً‏)‏

وَ ‏"‏الْمَوْعِظَةُ‏"‏، مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏ وَعَظْتُ الرَّجُلَ أَعِظُهُ وَعْظًا وَمَوْعِظَةً‏"‏، إِذَا ذَكَرْتُهُ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ‏:‏ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَتَذْكِرَةً لِلْمُتَّقِينَ، لِيَتَّعِظُوا بِهَا، وَيَعْتَبِرُوا، وَيَتَذَكَّرُوا بِهَا، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏وَمَوْعِظَةً‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَذْكِرَةً وَعِبْرَةً لِلْمُتَّقِينَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلْمُتَّقِينَ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الْمُتَّقُونَ الْمَقْصُودُ بِهِمْ‏"‏، فَهُمُ الَّذِينَ اتَّقَوْا، بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ وَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِي‏.‏

فَجَعَلَ تَعَالَىذِكْرُهُ مَا أَحَلَّ بِالَّذِينِ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ خَاصَّةً، وَعِبْرَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، دُونَ الْكَافِرِينَ بِهِ- إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ-، كَالَّذِي‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَينِ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ‏)‏، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ‏)‏، أَيْ‏:‏ بَعْدَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ أَمَّا ‏"‏ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ‏"‏، فَهُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏(‏وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ‏)‏، قَالَ‏:‏ فَكَانَتْ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ خَاصَّةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ‏)‏، أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوَذٌ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا وَبَّخَ اللَّهُ بِهَا الْمُخَاطَبِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي نَقْضِ أَوَائِلِهِمُ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالطَّاعَةِ لِأَنْبِيَائِهِ، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ وَاذْكُرُوا أَيْضًا مِنْ نَكْثِكُمْ مِيثَاقِي، ‏"‏إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِه‏"‏- وَقَوْمُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، إِذِ ادَّارَؤُوا فِي الْقَتِيلِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِمْ إِلَيْهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا‏}‏‏.‏

وَ ‏"‏ الْهُزُؤُ ‏"‏‏:‏ اللَّعِبُ وَالسُّخْرِيَةُ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ‏:‏

قَدْ هَزِئَتْ مِنِّي أُمُّ طَيْسَلَهْ

قَالَتْ أَرَاهُ مُعْدِمًا لَا شَيْءَ لَهُ

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ قَدْ هَزِئَتْ‏:‏ قَدْ سَخِرَتْ وَلَعِبَتْ‏.‏

وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ- فِيمَا أَخْبَرَتْ عَنِ اللَّهِ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ- هُزُؤٌ أَوْ لَعِبٌ‏.‏ فَظَنُّوا بِمُوسَى أَنَّهُ فِي أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ- عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ تَدَارُئِهِمْ فِي الْقَتِيلِ إِلَيْهِ- أَنَّهُ هَازِئٌ لَاعِبٌ‏.‏ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَظُنُّوا ذَلِكَ بِنَبِيِّ اللَّهِ، وَهُوَ يُخْبِرُهُمْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ‏.‏

وَحُذِفَتِ ‏"‏الْفَاء‏"‏ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا‏)‏، وَهُوَ جَوَابٌ، لِاسْتِغْنَاءِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ عَنْهُ، وَحَسُنَ السُّكُوتُ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏، فَجَازَ لِذَلِكَ إِسْقَاطُ ‏"‏الْفَاء‏"‏ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا‏)‏، كَمَا جَازَ وَحَسُنَ إِسْقَاطُهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا‏}‏ ‏[‏الْحِجْرِ‏:‏ 57، الذَّارِيَاتِ‏:‏ 31‏]‏، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ فَقَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا‏.‏ وَلَوْ قِيلَ ‏"‏فَقَالُوا‏"‏ كَانَ حَسَنًا أَيْضًا جَائِزًا‏.‏ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ تُسْقَطْ مِنْهُ ‏"‏الْفَاءُ‏"‏‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ‏:‏ ‏"‏ قُمْتُ فَفَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا‏"‏، لَمْ تَقُلْ‏:‏ قُمْتُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ‏"‏ لِأَنَّهَا عَطْفٌ، لَا اسْتِفْهَامٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ‏.‏

فَأَخْبَرَهُمْ مُوسَى- إِذْ قَالُوا لَهُ مَا قَالُوا- أَنَّ الْمُخْبِرَ عَنِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْهُزْءِ وَالسُّخْرِيَةِ، مِنَ الْجَاهِلِينَ‏.‏ وَبَرَّأَ نَفْسَهُ مِمَّا ظَنُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏، يَعْنِي مِنَ السُّفَهَاءِ الَّذِينَ يَرْوُونَ عَنِ اللَّهِ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ‏.‏

وَكَانَ سَبَبُ قِيلِ مُوسَى لَهُمْ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏، مَا‏:‏

حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ عَقِيمٌ- أَوْ عَاقِرٌ- قَالَ‏:‏ فَقَتَلَهُ وَلِيُّهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ فِي سِبْطٍ غَيْرِ سِبْطِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ فِيهِ الشَّرُّ حَتَّى أَخَذُوا السِّلَاحَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ أُولُو النُّهَى‏:‏ أَتَقْتَتِلُونَ وَفِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَأَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ‏:‏ اذْبَحُوا بَقَرَةً‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ‏)‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَضُرِبَ، فَأَخْبَرَهُمْ بِقَاتِلِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ تُؤْخَذِ الْبَقَرَةُ إِلَّا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا، قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَةٍ لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ‏.‏ فَلَمْ يُوَرَّثْ قَاتِلٌ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ غَنِيًّا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، وَكَانَ لَهُ قَرِيبٌ وَارِثُهُ، فَقَتَلَهُ لِيَرِثَهُ، ثُمَّ أَلْقَاهُ عَلَى مَجْمَعِ الطَّرِيقِ، وَأَتَى مُوسَى فَقَالَ لَهُ‏:‏ إِنَّ قَرِيبِي قُتِلَ وَأُتِيَ إِلَيَّ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَإِنِّي لَا أَجِدُ أَحَدًا يُبَيِّنُ لِي مَنْ قَتَلَهُ غَيْرَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَنَادَى مُوسَى فِي النَّاسِ‏:‏ أُنْشِدُ اللَّهَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَا عِلْمٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَنَا‏.‏ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ عِلْمُهُ‏.‏ فَأَقْبَلَ الْقَاتِلُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ‏:‏ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ، فَاسْأَلْ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا‏.‏ فَسَأَلَ رَبَّهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏‏.‏ فَعَجِبُوا وَقَالُوا‏:‏ ‏{‏أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ‏}‏- يَعْنِي‏:‏ لَا هَرِمَةٌ- ‏(‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏- يَعْنِي‏:‏ وَلَا صَغِيرَةٌ- ‏{‏عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ‏}‏- أَيْ‏:‏ نِصْفٌ، بَيْنَ الْبِكْرِ وَالْهَرِمَةِ- ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏}‏- أَيْ‏:‏ صَافٍ لَوْنُهَا- ‏{‏تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏}‏- أَيْ تُعْجِبُ النَّاظِرِينَ- ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ‏}‏ أَيْ‏:‏ لَمْ يُذَلِّلْهَا الْعَمَلُ- ‏{‏تُثِيرُ الْأَرْضَ‏}‏- يَعْنِي لَيْسَتْ بِذَلُولٍ فَتُثِيرُ الْأَرْضَ- ‏{‏وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ‏}‏- يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَعْمَلُ فِي الْحَرْثِ- ‏(‏مُسَلَّمَةٌ‏)‏، يَعْنِي مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ، ‏{‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏}‏- يَقُولُ‏:‏ لَا بَيَاضَ فِيهَا- ‏{‏قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ الْقَوْمَ حِينَ أُمِرُوا أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً، اسْتَعْرَضُوا بَقَرَةً مِنَ الْبَقَرِ فَذَبَحُوهَا، لَكَانَتْ إِيَّاهَا، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏.‏ وَلَوْلَا أَنَّ الْقَوْمَ اسْتَثْنَوْا فَقَالُوا‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ‏}‏، لَمَا هُدُوا إِلَيْهَا أَبَدًا‏.‏ فَبَلَغَنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْبَقَرَةَ الَّتِي نُعِتَتْ لَهُمْ، إِلَّا عِنْدَ عَجُوزٍ عِنْدَهَا يَتَامَى، وَهِيَ الْقَيِّمَةُ عَلَيْهِمْ‏.‏ فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُمْ لَا يَزْكُو لَهُمْ غَيْرُهَا، أَضْعَفَتْ عَلَيْهِمُ الثَّمَنَ‏.‏ فَأَتَوْا مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا هَذَا النَّعْتَ إِلَّا عِنْدَ فُلَانَةٍ، وَأَنَّهَا سَأَلَتْهُمْ أَضْعَافَ ثَمَنِهَا‏.‏ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى‏:‏ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ خَفَّفَ عَلَيْكُمْ، فَشَدَّدْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَأَعْطُوهَا رِضَاهَا وَحُكْمَهَا‏.‏ فَفَعَلُوا، وَاشْتَرَوْهَا فَذَبَحُوهَا‏.‏ فَأَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَأْخُذُوا عَظْمًا مِنْهَا فَيَضْرِبُوا بِهِ الْقَتِيلَ‏.‏ فَفَعَلُوا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ رُوحُهُ، فَسَمَّى لَهُمْ قَاتِلَهُ، ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ‏.‏ فَأَخَذُوا قَاتِلَهُ- وَهُوَ الَّذِي كَانَ أَتَى مُوسَى فَشَكَى إِلَيْهِ،- فَقَتَلَهُ اللَّهُ عَلَى أَسْوَءِ عَمَلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُكْثِرًا مِنَ الْمَالِ، وَكَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ، وَكَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ مُحْتَاجٌ‏.‏ فَخَطَبَ إِلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ ابْنَتَهُ، فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ إِيَّاهَا، فَغَضِبَ الْفَتَى وَقَالَ‏:‏ وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ عَمِّي، وَلَآخُذَنَّ مَالَهُ، وَلَأَنْكِحَنَّ ابْنَتَهُ، وَلَآكُلَنَّ دِيَتَهُ‏!‏ فَأَتَاهُ الْفَتَى، وَقَدْ قَدِمَ تُجَّارٌ فِي أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ‏:‏ يَا عَمِّ، انْطَلِقْ مَعِي فَخُذْ لِي مِنْ تِجَارَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، لَعَلِّي أُصِيبُ مِنْهَا، فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْكَ مَعِي أَعْطَوْنِي‏.‏ فَخَرَجَ الْعَمُّ مَعَ الْفَتَى لَيْلًا فَلَمَّا بَلَغَ الشَّيْخُ ذَلِكَ السِّبْطَ، قَتَلَهُ الْفَتَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ‏.‏ فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءَ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ عَمَّهُ، كَأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ، فَلَمْ يَجِدْهُ‏.‏ فَانْطَلَقَ نَحْوَهُ، فَإِذَا هُوَ بِذَلِكَ السِّبْطِ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُمْ وَقَالَ‏:‏ قَتَلْتُمْ عَمِّي فَأَدُّوا إِلَيَّ دِيَتَهُ‏.‏ وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُنَادِي‏:‏ وَاعَمَّاهُ‏!‏ فَرَفَعَهُمْ إِلَى مُوسَى، فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، فَقَالُوا لَهُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ مَنْ صَاحِبُهُ، فَيُؤْخَذُ صَاحِبُ الْجَرِيمَةِ، فَوَاللَّهِ إِنَّ دِيَتَهُ عَلَيْنَا لَهَيِّنَةٌ، وَلَكِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نُعَيَّرَ بِهِ‏.‏ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏}‏‏.‏ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ نَسْأَلُكَ عَنِ الْقَتِيلِ وَعَمَّنْ قَتَلَهُ، وَتَقُولُ‏:‏ اذْبَحُوا بَقَرَةً‏!‏ أَتَهْزَأُ بِنَا‏؟‏ قَالَ مُوسَى‏:‏ ‏{‏أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏- قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَلَوِ اعْتَرَضُوا بَقَرَةً فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا وَتَعَنَّتُوا مُوسَى فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ- فَقَالُوا‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ‏}‏- وَالْفَارِضُ‏:‏ الْهَرِمَةُ الَّتِي لَا تَلِدُ، وَالْبِكْرُ‏:‏ الَّتِي لَمْ تَلِدْ إِلَّا وَلَدًا وَاحِدًا، وَالْعَوَانُ‏:‏ النَّصَفُ الَّتِي بَيْنَ ذَلِكَ، الَّتِي قَدْ وُلِدَتْ وَوُلِدَ وَلَدُهَا- ‏"‏فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُون‏"‏ ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏}‏- قَالَ‏:‏ تُعْجِبُ النَّاظِرِينَ- ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا‏}‏- مِنْ بَيَاضٍ وَلَا سَوَادٍ وَلَا حُمْرَةٍ- ‏{‏قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏}‏‏.‏ فَطَلَبُوهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا‏.‏

وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِأَبِيهِ، وَإِنَّ رَجُلًا مَرَّ بِهِ مَعَهُ لُؤْلُؤٌ يَبِيعُهُ، فَكَانَ أَبُوهُ نَائِمًا تَحْتَ رَأْسِهِ الْمِفْتَاحُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ‏:‏ تَشْتَرِي مِنِّي هَذَا اللُّؤْلُؤُ بِسَبْعِينَ أَلْفًا‏؟‏ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى‏:‏ كَمَا أَنْتَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ أَبِي فَآخُذَهُ بِثَمَانِينَ أَلْفًا‏.‏ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ‏:‏ أَيْقِظْ أَبَاكَ وَهُوَ لَكَ بِسِتِّينَ أَلْفًا‏.‏ فَجَعَلَ التَّاجِرُ يَحُطُّ لَهُ حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَزَادَ الْآخَرُ عَلَى أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ أَبُوهُ، حَتَّى بَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ‏.‏ فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ لَا وَاللَّهِ، لَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِشَيْءٍ أَبَدًا، وَأَبَى أَنْ يُوقِظَ أَبَاهُ‏.‏ فَعَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤِ أَنْ جَعَلَ لَهُ تِلْكَ الْبَقَرَةَ‏.‏ فَمَرَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَطْلُبُونَ الْبَقَرَةَ، فَأَبْصَرُوا الْبَقَرَةَ عِنْدَهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ إِيَّاهَا بَقَرَةً بِبَقَرَةٍ، فَأَبَى، فَأَعْطُوهُ ثِنْتَيْنِ فَأَبَى، فَزَادُوهُ حَتَّى بَلَغُوا عَشْرًا، فَأَبَى، فَقَالُوا‏:‏ وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ حَتَّى نَأْخُذَهَا مِنْكَ‏.‏ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مُوسَى فَقَالُوا‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا وَجَدْنَا الْبَقَرَةَ عِنْدَ هَذَا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَاهَا، وَقَدْ أَعْطَيْنَاهُ ثَمَنًا‏.‏ فَقَالَ لَهُ مُوسَى‏:‏ أَعْطِهِمْ بَقَرَتَكَ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَحَقُّ بِمَالِي‏.‏ فَقَالَ‏:‏ صَدَقْتَ‏.‏ وَقَالَ لِلْقَوْمِ‏:‏ ارْضُوا صَاحِبَكُمْ‏.‏ فَأَعْطَوْهُ وَزْنَهَا ذَهَبًا فَأَبَى، فَأَضْعَفُوا لَهُ مِثْلَ مَا أَعْطَوْهُ وَزْنَهَا، حَتَّى أَعْطَوْهُ وَزْنَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَبَاعَهُمْ إِيَّاهَا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا‏.‏ فَقَالَ‏:‏ اذْبَحُوهَا‏.‏ فَذَبَحُوهَا فَقَالَ‏:‏ اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا‏.‏ فَضَرَبُوهُ بِالْبِضْعَةِ الَّتِي بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، فَعَاشَ، فَسَأَلُوهُ‏:‏ مَنْ قَتَلَكَ‏؟‏ فَقَالَ لَهُمُ‏:‏ ابْنُ أَخِي، قَالَ‏:‏ أَقْتُلُهُ، وَآخُذُ مَالَهُ، وَأَنْكِحُ ابْنَتَهُ‏.‏ فَأَخَذُوا الْغُلَامَ فَقَتَلُوهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ-

وَحَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ-

وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ قَالَ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ-

وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَذْكُرُ-

وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ- وَحَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ-

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-

- فَذَكَرَ جَمِيعُهُمْ أَنَّالسَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَ لَهُمْ مُوسَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏، نَحْوَ السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ عُبَيْدَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُّ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ الْقَتِيلَ الَّذِي اخْتُصِمَ فِي أَمْرِهِ إِلَى مُوسَى، كَانَ أَخَا الْمَقْتُولِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ ابْنُ أَخِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ بَلْ كَانُوا جَمَاعَةً وَرَثَةً اسْتَبْطَئُوا حَيَاتَهُ‏.‏ إِلَّا أَنَّهُمْ جَمِيعًا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مُوسَى إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ مِنْ أَجْلِ الْقَتِيلِ إِذِ احْتَكَمُوا إِلَيْهِ- عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ- فَقَالُوا لَهُ‏:‏ وَمَا ذَبْحُ الْبَقَرَةِ‏؟‏ يُبَيِّنُ لَنَا خُصُومَتَنَا الَّتِي اخْتَصَمْنَا فِيهَا إِلَيْكَ فِي قَتْلِ مَنْ قَتَلَ، فَادُّعِيَ عَلَى بَعْضِنَا أَنَّهُ الْقَاتِلُ‏!‏ أَتَهْزَأُ بِنَا‏؟‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ قُتِلَ قَتِيلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَطُرِحَ فِي سِبْطٍ مِنَ الْأَسْبَاطِ، فَأَتَى أَهْلُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ إِلَى ذَلِكَ السِّبْطِ فَقَالُوا‏:‏ أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ لَا وَاللَّهِ‏.‏ فَأَتَوْا مُوسَى فَقَالُوا‏:‏ هَذَا قَتِيلُنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَهُمْ وَاللَّهِ قَتَلُوهُ‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ لَا وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، طُرِحَ عَلَيْنَا‏!‏ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ أَتَسْتَهْزِئُ بِنَا‏؟‏ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا‏}‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ نَأْتِيكَ فَنَذْكُرُ قَتِيلَنَا وَالَّذِي نَحْنُ فِيهِ، فَتَسْتَهْزِئُ بِنَا‏؟‏ فَقَالَ مُوسَى‏:‏ ‏{‏أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ‏:‏ لَمَّا أَتَى أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ وَالَّذِينَ ادَّعَوْا عَلَيْهِمْ قَتَلَ صَاحِبِهِمْ- مُوسَى وَقَصُّوا قِصَّتَهُمْ عَلَيْهِ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَمَا الْبَقَرَةُ وَالْقَتِيلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَقُولُ لَكُمْ‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏)‏، وَتَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَقَالَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏- بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا وَاسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ، أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ مِنْ ذَبْحِ بَقَرَةٍ- جَدٌّ وَحَقٌّ، ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ‏}‏، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ لَهُمْ مَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَفَاهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمُ‏:‏ ‏(‏اذْبَحُوا بَقَرَةً‏)‏‏.‏ لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ مِنَ الْبَقَرِ- أَيُ بَقَرَةٍ شَاءُوا ذَبْحَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُرَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ نَوْعٍ أَوْ صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ- فَقَالُوا بِجَفَاءِ أَخْلَاقِهِمْ وَغِلَظِ طَبَائِعِهِمْ، وَسُوءِ أَفْهَامِهِمْ، وَتَكَلُّفِ مَا قَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَؤُونَتَهُ، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا قَالَ لَهُمْ مُوسَى‏:‏ ‏{‏أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏ قَالُوا لَهُ يَتَعَنَّتُونَهُ‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ‏}‏‏.‏

فَلَمَّا تَكَلَّفُوا جَهْلًا مِنْهُمْ مَا تَكَلَّفُوا مِنَ الْبَحْثِ عَمَّا كَانُوا قَدْ كُفُوهُ مِنْ صِفَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ نَبِيَّهُمْ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، بَعْدَ الَّذِي كَانُوا أَظْهَرُوا لَهُ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ عَنِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، بِقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏(‏أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا‏)‏- عَاقَبَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ حَصْرَ ذَبْحَ مَا كَانَ أَمَرَهُمْ بِذَبْحِهِ مِنَ الْبَقَرِ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ نَوْعٍ، فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ- إِذْ سَأَلُوهُ فَقَالُوا‏:‏ مَا هِيَ‏؟‏ مَا صِفَتُهَا‏؟‏ وَمَا حِلْيَتُهَا‏؟‏ حَلِّهَا لَنَا لِنَعْرِفَهَا‏!‏- قَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ‏}‏‏.‏

يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏(‏لَا فَارِضٌ‏)‏ لَا مُسِنَّةٌ هَرِمَةٌ‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ فَرَضَتِ الْبَقَرَةُ تَفْرِضُ فُرُوضًا‏"‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ أَسَنَّتْ‏.‏ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ *** لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَارْضِ‏)‏، قَدِيمٌ‏.‏ يَصِفُ ضِغْنًا قَدِيمًا‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

لَهَا زِجَاجٌ وَلَهَاةٌ فَارْضُ *** حَدْلَاءُ كَالْوَطْبِ نَحَاهُ الْمَاخِضُ

وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ‏"‏فَارِض‏"‏ قَالَ الْمُتَأَوِّلُونَ‏:‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏لَا فَارِضٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ لَا كَبِيرَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ، شَكَّ شَرِيكٌ-‏:‏ ‏(‏لَا فَارِضٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ الْكَبِيرَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏لَا فَارِضٌ‏)‏، الْفَارِضُ‏:‏ الْهَرِمَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏لَا فَارِضٌ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ هَرِمَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏لَا فَارِضٌ‏)‏، الْهَرِمَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏الْفَارِض‏)‏ الْكَبِيرَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏لَا فَارِضٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ الْكَبِيرَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏(‏لَا فَارِضٌ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ لَا هَرِمَةٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏الْفَارِضُ‏)‏، الْهَرِمَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ ‏(‏الْفَارِض‏)‏ الْهَرِمَةُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ لَيْسَتْ بِالْهَرِمَةِ وَلَا الْبِكْرِ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏(‏الْفَارِضُ‏)‏، الْهَرِمَةُ الَّتِي لَا تَلِدُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏(‏الْفَارِضُ‏)‏، الْكَبِيرَةُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَ‏"‏ الْبِكْرُ ‏"‏مِنْ إِنَاثِ الْبَهَائِمِ وَبَنِي آدَمَ، مَا لَمْ يَفْتَحِلْهُ الْفَحْلُ، وَهِيَ مَكْسُورَةُ الْبَاءِ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْه‏"‏ فَعَلَ ‏"‏وَلَا‏"‏ يَفْعَلُ‏"‏‏.‏ وَأَمَّا ‏"‏الْبَكْر‏"‏ بِفَتْحِ الْبَاءِ فَهُوَ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ‏.‏

وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏ وَلَا صَغِيرَةٌ لَمْ تَلِدْ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏، صَغِيرَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏الْبِكْرُ‏)‏، الصَّغِيرَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- أَوْ عِكْرِمَةَ، شَكَّ-‏:‏ ‏(‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ الصَّغِيرَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏، الصَّغِيرَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏ وَلَا صَغِيرَةٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏، وَلَا صَغِيرَةٌ ضَعِيفَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏(‏وَلَا بِكْرٌ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ وَلَا صَغِيرَةٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ فِي ‏"‏ الْبِكْرِ‏"‏، لَمْ تَلِدْ إِلَّا وَلَدًا وَاحِدًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏عَوَانٌ‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ‏(‏الْعَوَان‏)‏ النَّصَفُ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، وَلَيْسَتْ بِنَعْتٍ لِلْبِكْرِ‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏(‏قَدْ عَوَّنَت‏)‏ إِذَا صَارَتْ كَذَلِكَ‏.‏

وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ بَلْ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ‏.‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ‏"‏عَوَان‏"‏ إِلَّا مُبْتَدَأً‏.‏ لِأَنَّ قَوْلَهُ ‏(‏بَيْنَ ذَلِكَ‏)‏، كِنَايَةٌ عَنِ الْفَارِضِ وَالْبِكْرِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ‏:‏

وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ شُمْطٍ مُحَفِّلَةٍ

وَمَا بِيَثْرِبَ مِنْ عُونٍ وَأَبْكَارِ

وَجَمْعُهَا ‏"‏عُون‏"‏ يُقَالُ‏:‏ ‏(‏امْرَأَةٌ عَوَانٌ مِنْ نِسْوَةٍ عُونٍ‏)‏‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُ تَمِيمِ بْنِ مُقْبِلٍ‏:‏

وَمَأْتَمٍ كَالدُّمَى حُورٌ مَدَامِعُهَا *** لَمْ تَبْأَسِ الْعَيْشَ أَبْكَارًا وَلَا عُونَا

وَبَقَرَةٌ ‏"‏عَوَانٌ، وَبَقَرٌ عُونٌ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَرُبَّمَا قَالَتِ الْعَرَبُ‏:‏ ‏"‏ بَقَرٌ عُونٌ ‏"‏مِثْل‏"‏ رُسُلٍ ‏"‏يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ الْفَرْقَ بَيْنَ جَمْع‏"‏ عَوَانٍ ‏"‏مِنَ الْبَقَرِ، وَجَمْع‏"‏ عَانَةٍ ‏"‏مِنَ الْحُمُرِ‏.‏ وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏ هَذِهِ حَرْبٌ عَوَانٌ‏"‏، إِذَا كَانَتْ حَرْبًا قَدْ قُوتِلَ فِيهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ‏.‏ يُمَثِّلُ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ يُقَالُ‏:‏ ‏(‏حَاجَةٌ عَوَانٌ‏)‏، إِذَا كَانَتْ قَدْ قُضِيَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ ابْنَ زَيْدٍ أَنْشَدَهُ‏:‏

قُعُودٌ لَدَى الْأَبْوَابِ طُلَّابُ حَاجَةٍ *** عَوَانٍ مِنَ الْحَاجَاتِ أَوْ حَاجَةً بِكْرَا

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْبَيْتُ لِلْفَرَزْدَقَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ‏}‏، وَسَطٌ، قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا أَوْ بَطْنَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏عَوَانٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ ‏(‏الْعَوَانُ‏)‏‏:‏ الْعَانِسُ النَّصَفُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏الْعَوَانُ‏)‏، النَّصَفُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- أَوْ عِكْرِمَةَ، شَكَّ شَرِيكٌ- ‏(‏عَوَانٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ بَيْنَ ذَلِكَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏عَوَانٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَهَى أَقْوَى مَا تَكُونُ مِنَ الْبَقَرِ وَالدَّوَابِّ، وَأَحْسَنُ مَا تَكُونُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏عَوَانٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ النَّصَفُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏(‏عَوَانٌ‏)‏ نَصَفٌ‏.‏

وَحُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏الْعَوَانُ‏)‏، نَصَفٌ بَيْنَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خَصِيفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏عَوَانٌ‏)‏، الَّتِي تُنْتِجُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الَّتِي قَدْ نَتَجَتْ بَكَرَةً أَوْ بَكَرَتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏(‏الْعَوَانُ‏)‏، النَّصَفُ الَّتِي بَيْنَ ذَلِكَ، الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ وَوَلَدَ وَلَدُهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏(‏الْعَوَانُ‏)‏، بَيْنَ ذَلِكَ، لَيْسَتْ بِبَكْرٍ وَلَا كَبِيرَةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏بَيْنَ ذَلِكَ‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏بَيِّنَ ذَلِكَ‏)‏ بَيِّنَ الْبَكْرِ وَالْهَرِمَةِ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏(‏بَيِّنَ ذَلِكَ‏)‏، أَيْ بَيْنَ الْبَكْرِ وَالْهَرِمَةِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ ‏"‏بَيْن‏"‏ لَا تَصْلُحُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا، فَكَيْفَ قِيلَ ‏"‏بَيْنَ ذَلِك‏"‏ وَ‏"‏ ذَلِكَ ‏"‏ وَاحِدٌ فِي اللَّفْظِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّمَا صَلَحَتْ مَعَ كَوْنِهَا وَاحِدَةً، لِأَنَّ ‏"‏ذَلِك‏"‏ بِمَعْنَى اثْنَيْنِ، وَالْعَرَبُ تَجْمَعُ فِي ‏"‏ذَلِك‏"‏ وَ‏"‏ ذَاكَ ‏"‏شَيْئَيْنِ وَمَعْنَيَيْنِ مِنَ الْأَفْعَالِ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ‏:‏ ‏"‏ أَظُنُّ أَخَاكَ قَائِمًا، وَكَانَ عَمْرٌو أَبَاكَ‏"‏، ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏قَدْ كَانَ ذَاكَ، وَأَظُنُّ ذَلِكَ‏)‏‏.‏ فَيَجْمَعُ ب‏"‏ ذَلِكَ ‏"‏وَ‏"‏ ذَاك‏"‏ الِاسْمَ وَالْخَبَرَ، الَّذِي كَانَ لَا بُدَّ لِـ ‏"‏ظَن‏"‏ وَ‏"‏ كَانَ ‏"‏ مِنْهُمَا‏.‏

فَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ قَالَ‏:‏ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا مُسِنَّةٌ هَرِمَةٌ، وَلَا صَغِيرَةٌ لَمْ تَلِدْ، وَلَكِنَّهَا بَقَرَةٌ نَصَفٌ قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، بَيْنَ الْهَرَمِ وَالشَّبَابِ‏.‏ فَجَمَعَ ‏"‏ذَلِك‏"‏ مَعْنَى الْهَرَمِ وَالشَّبَابِ لِمَا وَصَفْنَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْفَارِضِ وَالْبَكْرِ اسْمَا شَخْصَيْنِ، لَمْ يُجْمَعْ مَعَ ‏"‏بَيْن‏"‏ ذَلِكَ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ ‏"‏ذَلِك‏"‏ لَا يُؤَدِّي عَنِ اسْمِ شَخْصَيْنِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ قَالَ‏:‏ ‏(‏كُنْتُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو‏)‏، أَنْ يَقُولَ‏:‏ ‏"‏ كُنْتُ بَيْنَ ذَلِكَ‏"‏، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ دُونَ أَسْمَاءِ الْأَشْخَاصِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ، تُدْرِكُوا حَاجَاتِكُمْ وَطَلَبَاتِكُمْ عِنْدِي؛ وَاذْبَحُوا الْبَقَرَةَ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِذَبْحِهَا، تَصِلُوا- بِانْتِهَائِكُمْ إِلَى طَاعَتِي بِذَبْحِهَا- إِلَى الْعِلْمِ بِقَاتِلِ قَتِيلِكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَمَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى‏:‏ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا‏؟‏ أَيْ لَوْنَ الْبَقَرَةِ الَّتِي أَمَرْتَنَا بِذَبْحِهَا‏.‏ وَهَذَا أَيْضًا تَعَنُّتٌ آخَرٌ مِنْهُمْ بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَتَكَلُّفُ طَلَبِ مَا قَدْ كَانُوا كُفُوهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْآخِرَةِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا حَصَرُوا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ- إِذْ قِيلَ لَهُمْ بَعْدَ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ حِلْيَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي كَانُوا أُمِرُوا بِذَبْحِهَا، فَأَبَوْا إِلَّا تَكَلُّفَ مَا قَدْ كُفُوهُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ عَنْ صِفَتِهَا، فَحُصِرُوا عَلَى نَوْعٍ دُونَ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ، عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَلَى مَسْأَلَتِهِمُ الَّتِي سَأَلُوهَا نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ لَهُ‏.‏ ثُمَّ لَمْ يَحْصُرْهُمْ عَلَى لَوْنٍ مِنْهَا دُونَ لَوْنٍ، فَأَبَوْا إِلَّا تَكَلُّفَ مَا كَانُوا عَنْ تَكَلُّفِهِ أَغْنِيَاءَ، فَقَالُوا- تَعَنُّتًا مِنْهُمْ لِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ-‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا‏}‏ فَقِيلَ لَهُمْ عُقُوبَةً لَهُمْ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏}‏‏.‏ فَحُصِرُوا عَلَى لَوْنٍ مِنْهَا دُونَ لَوْنٍ‏.‏ وَمَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ الْبَقَرَةَ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِذَبْحِهَا صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا‏}‏، أَيُّ شَيْءٍ لَوْنُهَا‏؟‏ فَلِذَلِكَ كَانَ اللَّوْنُ مَرْفُوعًا، لِأَنَّهُ مُرَافَعُ ‏"‏مَا‏"‏‏.‏ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْصَب‏"‏ مَا ‏"‏بِقَوْلِه‏"‏ يُبَيِّنْ لَنَا‏"‏، لِأَنَّ أَصْلَ ‏"‏أَي‏"‏ وَ‏"‏ مَا‏"‏، جَمْعُ مُتَفَرِّقِ الِاسْتِفْهَامِ‏.‏ يَقُولُ الْقَائِلُ بَيِّنْ لَنَا أَسَوْدَاءُ هَذِهِ الْبَقَرَةُ أَمْ صَفْرَاءُ‏؟‏ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏بَيِّنْ لَنَا‏)‏ أَنْ يَقَعَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ مُتَفَرِّقًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقَعَ عَلَى ‏"‏أَيْ‏"‏، لِأَنَّهُ جَمَعَ ذَلِكَ الْمُتَفَرِّقَ‏.‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَظَائِرِهِ فَالْعَمَلُ فِيهِ وَاحِدٌ، فِي‏"‏ مَا ‏"‏ وَ‏"‏ أَيْ‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏صَفْرَاءُ‏)‏‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ سَوْدَاءُ شَدِيدَةُ السَّوَادِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ سَوْدَاءُ شَدِيدَةُ السَّوَادِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو زَائِدَةَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ‏.‏ وَالْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءَ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ صَفْرَاءُ الْقَرْنِ وَالظِّلْفِ

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ يُونُسَ النَّهْشَلَيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ صَفْرَاءُ الْقَرْنِ وَالظِّلْفِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَتْ وَحْشِيَّةً‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي حَفْصٍ، عَنْ مَغْرَاءَ- أَوْ عَنْ رَجُلٍ-، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ صَفْرَاءُ الْقَرْنِ وَالظِّلْفِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ هِيَ صَفْرَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مُخَلَّدٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَوْ أَخَذُوا بَقَرَةً صَفْرَاءَ لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَحْسَبُ أَنَّ الَّذِي قَالَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏صَفْرَاءُ‏)‏، يَعْنِي بِهِ سَوْدَاءَ، ذَهَبَ إِلَى قَوْلِهِ فِي نَعْتِ الْإِبِلِ السُّودِ‏:‏ ‏(‏هَذِهِ إِبِلٌ صُفْرٌ، وَهَذِهِ نَاقَةٌ صَفْرَاء‏)‏ يَعْنِي بِهَا سَوْدَاءُ‏.‏ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ لِأَنَّ سَوَادَهَا يَضْرِبُ إِلَى الصُّفْرَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ رِكَابَيْ *** هُنَّ صُفْرٌ أَوْلَادُهَا كَالزَّبِيبِ

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏هُنَّ صُفْر‏)‏ هُنَّ سُودٌ وَذَلِكَ إِنْ وُصِفَتِ الْإِبِلُ بِهِ، فَلَيْسَ مِمَّا تُوصَفُ بِهِ الْبَقَرُ‏.‏ مَعَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَصِفُ السَّوَادَ بِالْفُقُوعِ، وَإِنَّمَا تَصِفُ السَّوَادَ- إِذَا وَصَفَتْهُ بِالشِّدَّةِ- بِالْحُلُوكَةِ وَنَحْوِهَا، فَتَقُولُ‏:‏ ‏(‏هُوَ أَسْوَدُ حَالِكٌ وَحَانِكٌ وَحُلْكُوكٌ، وَأَسْوَدُ غِرْبِيبٌ وَدَجُوجِي‏)‏- وَلَا تَقُولُ‏:‏ هُوَ أَسْوَدُ فَاقِعٌ‏.‏ وَإِنَّمَا تَقُولُ‏:‏ ‏(‏هُوَ أَصْفَرُ فَاقِعٌ‏)‏‏.‏ فَوَصْفُهُ إِيَّاهُ بِالْفُقُوعِ، مِنَ الدَّلِيلِ الْبَيِّنِ عَلَى خِلَافِ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ‏}‏ الْمُتَأَوِّلُ، بِأَنَّ مَعْنَاهُ سَوْدَاءُ شَدِيدَةُ السَّوَادِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي خَالِصٌ لَوْنُهَا‏.‏ وَ‏"‏ الْفُقُوعُ ‏"‏ فِي الصُّفْرِ، نَظِيرُ النُّصُوعِ فِي الْبَيَاضِ، وَهُوَ شِدَّتُهُ وَصَفَاؤُهُ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ، قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ ‏(‏فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏)‏، هِيَ الصَّافِي لَوْنُهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏(‏فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏)‏، أَيْ صَافٍ لَوْنُهَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏(‏فَاقِعٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ نَقِيٌّ لَوْنُهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏)‏، شَدِيدَةُ الصُّفْرَةِ، تَكَادُ مِنْ صُفْرَتِهَا تَبْيَضُّ‏.‏ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ أُرَاهِ أَبْيَضُ‏!‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏)‏، قَالَ‏:‏ شَدِيدَةٌ صُفْرَتُهَا‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ فَقَعَ لَوْنُهُ يَفْقَعُ وَيَفْقَعُ فَقْعًا وَفُقُوعًا، فَهُوَ فَاقِعٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

حَمَلْتُ عَلَيْهِ الْوَرْدَ حَتَّى تَرَكْتُهُ *** ذَلِيلًا يَسُفُّ التُّرْبَ وَاللَّوْنُ فَاقِعُ

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏)‏، تُعْجِبُ هَذِهِ الْبَقَرَةُ- فِي حُسْنِ خَلْقِهَا وَمَنْظَرِهَا وَهَيْئَتِهَا- النَّاظِرَ إِلَيْهَا، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏)‏، أَيْ تُعْجِبُ النَّاظِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا‏:‏ ‏(‏تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏)‏، إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا يُخَيَّلُ إِلَيْكَ أَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ يَخْرُجُ مِنْ جِلْدِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏(‏تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏)‏، قَالَ‏:‏ تُعْجِبُ النَّاطِرِينَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏قَالُوا‏)‏ قَالَ قَوْمُ مُوسَى- الَّذِينَ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ- لِمُوسَى‏.‏ فَتُرِكَ ذِكْرُ مُوسَى، وَذُكِرَ عَائِدُ ذِكْرِهِ، اكْتِفَاءً بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ قَالُوا لَهُ‏:‏ ‏(‏ادْعُ رَبَّكَ‏)‏‏.‏ فَلَمْ يَذْكُر‏"‏ لَهُ ‏"‏ لِمَا وَصَفْنَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ‏}‏، خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنِ الْقَوْمِ بِجَهَلَةٍ مِنْهُمْ ثَالِثَةٍ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا، إِذْ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ، ذَبَحُوا أَيَّتُهَا تَيَسَّرَتْ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ بَقَرَةٍ، كَانَتْ عَنْهُمْ مُجْزِئَةً، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهَا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُلِّفُوهَا بِصِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ‏.‏ فَلَمَّا سَأَلُوا بَيَانَهَا بِأَيِّ صِفَةٍ هِيَ، بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهَا بِسِنٍّ مِنَ الْأَسْنَانِ دُونَ سِنِّ سَائِرِ الْأَسْنَانِ، فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ هِيَ عَوَانٌ بَيْنَ الْفَارِضِ وَالْبِكْرِ وَالضَّرْعِ‏.‏ فَكَانُوا- إِذْ بُيِّنَتْ لَهُمْ سِنُّهَا- لَوْ ذَبَحُوا أَدْنَى بَقَرَةٍ بِالسِّنِّ الَّتِي بُيِّنَتْ لَهُمْ، كَانَتْ عَنْهُمْ مُجْزِئَةً، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُلِّفُوهَا بِغَيْرِ السِّنِّ الَّتِي حُدَّتْ لَهُمْ، وَلَا كَانُوا حُصِرُوا عَلَى لَوْنٍ مِنْهَا دُونَ لَوْنٍ‏.‏ فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَرَّفَةً لَهُمْ بِنُعُوتِهَا، مُبَيَّنَةً بِحُدُودِهَا الَّتِي تُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ بَهَائِمِ الْأَرْضِ، فَشَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ- شَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ نَبِيَّهُمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَيْهِ‏.‏ وَلِذَلِكَ قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ‏:‏

‏"‏ ذَرُونِي مَا تَرَكَتْكُمْ، فَإِنَّمَا أُهْلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ‏.‏ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوهُ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهَوْا عَنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا زَادُوا نَبِيَّهُمْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذًى وَتَعَنُّتًا، زَادَهُمُ اللَّهُ عُقُوبَةً وَتَشْدِيدًا، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ لَوْ أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَةٍ اكْتَفَوْا بِهَا، لَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ، سَمِعْتُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ‏:‏ لَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَةٍ لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ-

وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلُوا وَشَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ لَوْ أَخَذَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَقَرَةً لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ‏.‏ وَلَوْلَا قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ‏}‏، لَمَا وَجَدُوهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏، لَوْ أَخَذُوا بَقَرَةً مَا كَانَتْ، لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ‏.‏ ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَوْ أَخَذُوا بَقَرَةً مِنْ هَذَا الْوَصْفِ لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ‏.‏ ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَوْ أَخَذُوا بَقَرَةً صَفْرَاءَ لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ‏.‏ ‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ‏:‏ وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدْثَتَيْ حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، مُجَاهِدٌ‏:‏ لَوْ أَخَذُوا بَقَرَةً مَا كَانَتْ أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ لِي عَطَاءٌ‏:‏ لَوْ أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَةٍ كَفَتْهُمْ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏إِنَّمَا أُمِرُوا بِأَدْنَى بَقَرَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُمْ آخِرَ الْأَبَدِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ‏:‏ لَوْ أَنَّ الْقَوْمَ حِينَ أُمِرُوا أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً، اسْتَعْرَضُوا بَقَرَةً فَذَبَحُوهَا لَكَانَتْ إِيَّاهَا، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْلَا أَنَّ الْقَوْمَ اسْتَثْنَوْا فَقَالُوا‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ‏}‏، لَمَا هُدُوا إِلَيْهَا أَبَدًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ «إِنَّمَا أُمِرَ الْقَوْمُ بِأَدْنَى بَقَرَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شُدِّدَ عَلَيْهِمْ‏.‏ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُمْ آخِرَ الْأَبَدِ»‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَوِ اعْتَرَضُوا بَقَرَةً فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا وَتَعَنَّتُوا مُوسَى فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَوْ أَنَّ الْقَوْمَ نَظَرُوا أَدْنَى بَقَرَةٍ- يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ- لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ، وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ، فَاشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ جِلْدِهَا دَنَانِيرَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ لَوْ أَخَذُوا بَقَرَةً كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ كَفَاهُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْبَلَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلَ، فَقَالُوا‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ‏}‏، فَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ‏}‏، فَقَالُوا‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ مِنَ الْأَوَّلِ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا‏}‏ فَأَبَوْا أَيْضًا فَقَالُوا‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ‏}‏ فَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ فَاضْطُرُّوا إِلَى بَقَرَةٍ لَا يُعْلَمُ عَلَى صِفَتِهَا غَيْرُهَا، وَهِيَ صَفْرَاءُ، لَيْسَ فِيهَا سَوَادٌ وَلَا بَيَاضٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ- مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْخَالِفِينَ بَعْدَهُمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَوْ كَانُوا أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَةٍ فَذَبَحُوهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ- مِنْ أَوْضَحِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّحُكْمَ اللَّهِ، فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى فِي كِتَابِهِهَلْ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ الظَّاهِرِ أَمْ عَلَى الْخُصُوصِ الْبَاطِنِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْعُمُومِ الظَّاهِرِ، دُونَ الْخُصُوصِ الْبَاطِنِ، إِلَّا أَنْ يَخُصَّ، بَعْضَ مَا عَمَّهُ ظَاهِرُ التَّنْـزِيلِ، كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِنَّ التَّنْـزِيلَ أَوِ الرَّسُولَ، إِنْ خَصَّ بَعْضَ مَا عَمَّهُ ظَاهِرُ التَّنْـزِيلِ بِحُكْمٍ خِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ، فَالْمَخْصُوصُ مِنْ ذَلِكَ خَارِجٌ مِنْ حُكْمِ الْآيَةِ الَّتِي عَمَّتْ ذَلِكَ الْجِنْسَ خَاصَّةً، وَسَائِرَ حُكْمِ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ؛ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا كِتَابِ الرِّسَالَةِ مِنْ لَطِيفِ الْقَوْلِ فِي الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ- فِي قَوْلِنَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَمُوَافَقَةِ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَنَا، وَمَذْهَبِهِمْ مَذْهَبَنَا، وَتَخْطِئَتِهِمْ قَوْلَ الْقَائِلِينَ بِالْخُصُوصِ فِي الْأَحْكَامِ، وَشَهَادَتِهِمْ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ حُكْمُ الْآيَةِ الْجَائِيَةِ مَجِيءَ الْعُمُومِ عَلَى الْعُمُومِ، مَا لَمْ يَخْتَصْ مِنْهَا بَعْضُ مَا عَمَّتْهُ الْآيَةُ‏.‏ فَإِنْ خُصَّ مِنْهَا بَعْضٌ، فَحَمْلُكَ الْآيَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْخُصُوصِ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ آنِفًا- مِمَّنْ عَابَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مَسْأَلَتَهُمْ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِفَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا وَسِنِّهَا وَحِلْيَتِهَا- رَأَوْا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسْأَلَتِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوسَى ذَلِكَ مُخْطِئِينَ، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا اسْتَعْرَضُوا أَدْنَى بَقَرَةٍ مِنَ الْبَقَرِ- إِذْ أُمِرُوا بِذَبْحِهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏، فَذَبَحُوهَا- كَانُوا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ مُؤَدِّينَ، وَلِلْحَقِّ مُطِيعِينَ، إِذْ لَمْ يَكُنِ الْقَوْمُ حُصِرُوا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْبَقَرِ دُونَ نَوْعٍ، وَسِنٍّ دُونَ سِنٍّ‏.‏

وَرَأَوْا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ- إِذْ سَأَلُوا مُوسَى عَنْ سِنِّهَا فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا، وَحَصَرَهُمْ مِنْهَا عَلَى سِنٍّ دُونَ سِنٍّ، وَنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ، وَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبَقَرِ نَوْعًا مِنْهَا- كَانُوا فِي مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، بَعْدَ الَّذِي خَصَّ لَهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَقَرِ، مِنَ الْخَطَأِ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَأِ فِي مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى‏.‏

وَكَذَلِكَ رَأَوْا أَنَّهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَأَنَّ اللَّازِمَ كَانَ لَهُمْ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، اسْتِعْمَالُ ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَذَبْحُ أَيِّ بَهِيمَةٍ شَاءُوا مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ بَقَرَةٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ رَأَوْا أَنَّ اللَّازِمَ كَانَ لَهُمْ فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ اسْتِعْمَالُ ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَذَبْحُ أَيِّ بَهِيمَةٍ شَاءُوا مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ بَقَرَةٍ عَوَانٍ لَا فَارِضٍ وَلَا بِكْرٍ، وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ حُكْمَهُمْ- إِذْ خَصَّ لَهُمْ بَعْضَ الْبَقَرِ دُونَ الْبَعْضِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ- انْتَقَلَ عَنِ اللَّازِمِ الَّذِي كَانَ لَهُمْ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، مِنِ اسْتِعْمَالِ ظَاهِرِ الْأَمْرِ إِلَى الْخُصُوصِ‏.‏ فَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ- مَعَ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُوَافَقَةِ لِقَوْلِهِمْ- دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَأَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي آيِ كِتَابِهِ- فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى- عَلَى الْعُمُومِ، مَا لَمْ يَخُصْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ‏.‏ وَأَنَّهُ إِذَا خَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ، فَالْمَخْصُوصُ مِنْهُ خَارِجٌ حُكْمُهُ مِنْ حُكْمِ الْآيَةِ الْعَامَّةِ الظَّاهِرِ، وَسَائِرُ حُكْمِ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا الْعَامِّ- وَمُؤَيِّدٌ حَقِيقَةَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَشَاهِدُ عَدْلٍ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا فِيهِ‏.‏

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ عَظُمَتْ جَهَالَتُهُ، وَاشْتَدَّتْ حَيْرَتُهُ، أَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوا بَعْدَ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ مِنَ الْبَقَرِ، لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِذَبْحِ بَقَرَةٍ بِعَيْنِهَا خُصَّتْ بِذَلِكَ، كَمَا خُصَّتْ عَصَا مُوسَى فِي مَعْنَاهَا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَلِّيَهَا لَهُمْ لِيَعْرِفُوهَا‏.‏

وَلَوْ كَانَ الْجَاهِلُ تَدَبَّرَ قَوْلَهُ هَذَا، لَسَهُلَ عَلَيْهِ مَا اسْتَصْعَبَ مِنَ الْقَوْلِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَعْظَمَ مِنَ الْقَوْمِ مَسْأَلَتَهُمْ نَبِيَّهُمْ مَا سَأَلُوهُ تَشَدُّدًا مِنْهُمْ فِي دِينِهِمْ، ثُمَّ أَضَافَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا اسْتَنْكَرَهُ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْهُمْ‏.‏ فَزَعَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَرْضًا، وَيَتَعَبَّدَهُمَ بِعِبَادَةٍ، ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يَفْرِضُ عَلَيْهِمْ وَيَتَعَبَّدَهُمِ بِهِ، حَتَّى يَسْأَلُوا بَيَانَ ذَلِكَ لَهُمْ‏!‏ فَأَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا لَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ، وَنَسَبَ الْقَوْمَ مِنَ الْجَهْلِ إِلَى مَا لَا يُنْسَبُ الْمَجَانِينُ إِلَيْهِ، فَزَعَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحَيْرَةِ، وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْهِدَايَةَ‏.‏

وَأَمَّاقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا‏}‏، فَإِنَّ ‏"‏الْبَقَر‏"‏ جِمَاعُ بَقَرَةٍ‏.‏

وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الْبَاقِرَ‏)‏، وَذَلِكَ- وَإِنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ جَائِزًا، لِمَجِيئِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا، كَمَا قَالَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسٍ‏:‏

وَمَا ذَنْبُهُ أَنْ عَافَتِ الْمَاءَ بَاقِرٌ *** وَمَا إِنْ تَعَافُ الْمَاءَ إِلَّا لِيُضْرَبَا

وَكَمَا قَالَ أُمَيَّةُ‏:‏

وَيَسُوقُونَ بَاقِرَ السَّهْلِ لِلطَّ *** ودِ مَهَازِيلَ خَشْيَةً أَنْ تَبُورَا

- فَغَيْرُ جَائِزَةٍ الْقِرَاءَةُ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِرَاءَةَ الْجَائِيَةَ مَجِيءَ الْحُجَّةِ، بِنَقْلِ مَنْ لَا يَجُوزُ- عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلُوهُ مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ- الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ وَالْكَذِبُ‏.‏

وَأَمَّا تَأْوِيلُ‏:‏ ‏(‏تَشَابَهَ عَلَيْنَا‏)‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ، الْتَبَسَ عَلَيْنَا‏.‏ وَالْقَرَأَةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي تِلَاوَتِهِ‏.‏ فَبَعْضُهُمْ كَانُوا يَتْلُونَهُ‏:‏ ‏(‏تَشَابَهَ عَلَيْنَا‏)‏، بِتَخْفِيفِ الشِّينِ وَنَصْبِ الْهَاءِ عَلَى مِثَال‏"‏ تَفَاعَلَ‏"‏، وَيُذَكِّرُ الْفِعْلَ، وَإِنْ كَانَ ‏"‏الْبَقَر‏"‏ جِمَاعًا‏.‏ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ تَذْكِيرَ كُلِّ فِعْلِ جَمْعٍ كَانَتْ وِحْدَانُهُ بِالْهَاءِ، وَجَمْعُهُ بِطَرْحِ الْهَاءِ- وَتَأْنِيثِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَظِيرِهِ فِي التَّذْكِيرِ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ‏}‏ ‏[‏الْقَمَرِ‏:‏ 20‏]‏، فَذَكَّرَ ‏"‏الْمُنْقَعِر‏"‏ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ النَّخْلِ، لِتَذْكِيرِ لَفْظِ ‏"‏النَّخْل‏"‏- وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرٍ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ‏}‏ ‏[‏الْحَاقَّةِ‏:‏ 7‏]‏، فَأَنَّثَ ‏"‏الْخَاوِيَة‏"‏ وَهِيَ مِنْ صِفَةِ ‏"‏النَّخْل‏"‏- بِمَعْنَى النَّخْلِ‏.‏ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي لَفْظِ الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ- عَلَى مَا وَصَفْنَا قَبْلُ- فَهِيَ جِمَاعُ ‏"‏ نَخْلَةٍ‏"‏‏.‏

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتْلُوهُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الْبَقَرَ تَشَّابَهُ عَلَيْنَا‏)‏، بِتَشْدِيدِ الشِّينِ وَضَمِّ الْهَاءِ، فَيُؤَنِّثُ الْفِعْلُ بِمَعْنَى تَأْنِيثِ ‏"‏الْبَقَرِ‏"‏، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ‏}‏، وَيَدْخُلُ فِي أَوَّل‏"‏ تَشَّابَهُ ‏"‏تَاءٌ تَدُلُّ عَلَى تَأْنِيثِهَا، ثُمَّ تُدْغَمُ التَّاءُ الثَّانِيَةُ فِي‏"‏ شِينِ ‏"‏‏"‏ تُشَّابَه‏"‏ لِتَقَارُبِ مَخْرَجِهَا وَمَخْرَجِ ‏"‏الشِّين‏"‏ فَتَصِيرُ ‏"‏شِينًا‏"‏ مُشَدَّدَةً، وَتُرْفَعُ ‏"‏الْهَاء‏"‏ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْجَوَازِمِ وَالنَّوَاصِبِ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتْلُوهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْبَقَرَ يَشَّابَهُ عَلَيْنَا‏}‏، فَيَخْرُجُ ‏"‏يَشَّابَه‏"‏ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الذِّكْرِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَّةِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏تَشَّابَهَ‏)‏ بِالتَّخْفِيفِ وَنَصْبِ ‏"‏الْهَاءِ‏"‏، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُ ب‏"‏ الْيَاءِ ‏"‏الَّتِي يُحْدِثُهَا فِي أَوَّل‏"‏ تَشَابَهَ ‏"‏الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، وَتُدْغَم‏"‏ التَّاءُ ‏"‏فِي‏"‏ الشِّينِ ‏"‏كَمَا فَعَلَهُ الْقَارِئُ فِي‏"‏ تَشَّابَهَ ‏"‏ب‏"‏ التَّاءِ ‏"‏ وَالتَّشْدِيدِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا‏}‏، بِتَخْفِيفِ ‏"‏شِين‏"‏ ‏"‏ تَشَابَهَ ‏"‏وَنَصْب‏"‏ هَائِهِ‏"‏، بِمَعْنَى ‏"‏ تَفَاعَلَ‏"‏، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَصْوِيبِ ذَلِكَ، وَدَفْعِهِمْ مَا سِوَاهُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ‏.‏ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْحُجَّةِ بِقَوْلِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلَ السَّهْوُ وَالْغَفْلَةُ وَالْخَطَأُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ‏}‏، فَإِنَّهُمْ عَنَوْا‏:‏ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُبَيَّنٌ لَنَا مَا الْتَبَسَ عَلَيْنَا وَتَشَابَهَ مِنْ أَمْرِ الْبَقَرَةِ الَّتِي أُمِرْنَا بِذَبْحِهَا‏.‏ وَمَعْنَى ‏"‏اهْتِدَائِهِم‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَى‏:‏ ‏(‏تَبَيُّنِهِم‏)‏ أَيْ ذَلِكَ الَّذِي لَزِمَهُمْ ذَبْحُهُ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ أَجْنَاسِ الْبَقَرِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيل ِقَوْلِه تَعَالَى ‏{‏قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ‏:‏ قَالَ مُوسَى‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّ الْبَقَرَةَ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِذَبْحِهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا ذَلُولٌ‏)‏، أَيْ لَمْ يُذَلِّلْهَا الْعَمَلُ‏.‏ فَمَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَمْ تُذَلِّلْهَا إِثَارَةُ الْأَرْضِ بِأَظْلَافِهَا، وَلَا سُنِيَ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَيُسْقَى عَلَيْهَا الزَّرْعُ‏.‏ كَمَا يُقَالُ لِلدَّابَّةِ الَّتِي قَدْ ذَلَّلَهَا الرُّكُوبُ أَوِ الْعَمَلُ‏:‏ ‏(‏دَابَّةٌ ذَلُولٌ بَيِّنَةُ الذِّل‏)‏ بِكَسْرِ الذَّالِ‏.‏ وَيُقَالُ فِي مِثْلِهِ مِنْ بَنِيَ آدَمَ‏:‏ ‏(‏رَجُلٌ ذَلِيلٌ بَيْنَ الذِّلِّ وَالذِّلَّةِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ صَعْبَةٌ لَمْ يُذِلَّهَا عَمَلٌ، ‏{‏تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بَقَرَةٌ لَيْسَتْ بِذَلُولٍ يُزْرَعُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ تَسْقِي الْحَرْثَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ‏}‏، أَيْ لَمْ يُذَلِّلْهَا الْعَمَلُ‏.‏ ‏{‏تُثِيرُ الْأَرْضَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ لَيْسَتْ بِذَلُولٍ فَتُثِيرُ الْأَرْضَ‏.‏ ‏{‏وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَعْمَلُ فِي الْحَرْثِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَمْ يُذِلَّهَا الْعَمَلُ، ‏{‏تُثِيرُ الْأَرْضَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تُثِيرُ الْأَرْضَ بِأَظْلَافِهَا، ‏{‏وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَرْثِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ الْأَعْرَجُ، قَالَ مُجَاهِدٌ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَتْ بِذَلُولٍ فَتَفْعَلُ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ لَيْسَتْ بِذَلُولٍ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تُثِيرُ الْأَرْضَ‏)‏، تُقَلِّبُ الْأَرْضَ لِلْحَرْثِ‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏(‏أَثَّرْتُ الْأَرْضَ أُثِيرُهَا إِثَارَةً‏)‏، إِذَا قَلَّبْتُهَا لِلزَّرْعِ‏.‏ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ- فِيمَا قِيلَ- وَحْشِيَّةً‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ كَانَتْ وَحْشِيَّةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مُسَلَّمَة‏}‏‏.‏

صِفَةُ الْبَقَرَةِ الَّتِي أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِذَبْحِهَا‏.‏ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَمَعْنَى ‏"‏مُسَلَّمَة‏"‏ ‏"‏ مُفَعَّلَةٌ ‏"‏مِن‏"‏ السَّلَامَةِ‏"‏‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ سُلِّمَتْ تُسَلَّمُ فَهِيَ مُسَلَّمَةٌ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي سُلِّمَتْ مِنْهُ، فَوَصَفَهَا اللَّهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْهُ‏.‏ فَقَالَ مُجَاهِدٌ بِمَا‏:‏

حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏مُسَلَّمَةٌ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ مُسَلَّمَةٌ مِنَ الشِّيَةِ، وَ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، لَا بَيَاضَ فِيهَا وَلَا سَوَادَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏(‏مُسَلَّمَةٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ مُسَلَّمَةٌ مِنَ الشِّيَةِ، ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏ لَا بَيَاضَ فِيهَا وَلَا سَوَادَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا‏}‏، أَيْ مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏مُسَلَّمَةٌ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَا عَيْبَ فِيهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏(‏مُسَلَّمَةٌ‏)‏، يَعْنِي مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مُسَلَّمَةٌ‏)‏، لَا عَوَارَ فِيهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِمَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِمَّا قَالَهُ مُجَاهِدٌ‏.‏ لِأَنَّ سَلَامَتَهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَلْوَانِ سِوَى لَوْنِ جِلْدِهَا، لَكَانَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مُسَلَّمَةٌ‏)‏ مُكْتَفًى عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏‏.‏ وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، مَا يُوَضِّحُ عَنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مُسَلَّمَةٌ‏)‏، غَيْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ إِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَمْ تُذَلِّلْهَا إِثَارَةُ الْأَرْضِ وَقَلْبُهَا لِلْحِرَاثَةِ، وَلَا السُّنُوُّ عَلَيْهَا لِلْمُزَارِعِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏}‏ صِفَةُ الْبَقَرَةِ الَّتِي أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِذَبْحِهَا

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، لَا لَوْنَ فِيهَا يُخَالِفُ لَوْنَ جِلْدِهَا‏.‏ وَأَصْلُهُ مِنْ ‏"‏وَشْيِ الثَّوْبِ‏"‏، وَهُوَ تَحْسِينُ عُيُوبِهِ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ، بِضُرُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ أَلْوَانِ سَدَّاهُ وَلُحْمَتُهُ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏ وَشَيْتُ الثَّوْبَ فَأَنَا أَشِيهِ شِيَةً وَوَشْيًا‏"‏، وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّاعِي بِالرَّجُلِ إِلَى السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ‏:‏ ‏(‏وَاشٍ‏)‏، لِكَذِبِهِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَتَحْسِينِهِ كَذِبَهُ بِالْأَبَاطِيلِ‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏ وَشَيْتُ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ وِشَايَةً‏"‏‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ‏:‏

تَسْعَى الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقَوْلُهُمُ *** إِنَّكَ يَابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ

وَ ‏"‏ الْوُشَاةُ جَمْعُ وَاشٍ‏"‏، يَعْنِي أَنَّهُمْ يَتَقَوَّلُونَ بِالْأَبَاطِيلِ، وَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهُ إِنْ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُ‏.‏

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ ‏"‏الْوَشْيَ‏"‏، الْعَلَامَةُ‏.‏ وَذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ تَحْسِينَ الثَّوْبِ بِالْأَعْلَامِ‏.‏ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْقَائِلَ‏:‏ ‏"‏ وَشَيْتُ بِفُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ ‏"‏غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَرَادَ‏:‏ جَعَلْتُ لَهُ عِنْدَهُ عَلَامَةً‏.‏ وَإِنَّمَا قِيلَ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏ وَهِيَ مَن‏"‏ وَشَيْتُ‏"‏، لِأَنَّ ‏"‏الْوَاو‏"‏ لَمَّا أُسْقِطَتْ مِنْ أَوَّلِهَا أُبْدِلَتْ مَكَانَهَا ‏"‏الْهَاء‏"‏ فِي آخِرِهَا‏.‏ كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏(‏وَزَنْتُهُ زِنَة‏)‏ وَ‏"‏ وَسَنَ سِنَةً ‏"‏وَ‏"‏ وَعَدْتُهُ عِدَة‏"‏ وَ‏"‏ وَدَيْتُهُ دِيَةً‏"‏‏.‏

وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، أَيْ لَا بَيَاضَ فِيهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَا بَيَاضَ فِيهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏ أَيْ لَا بَيَاضَ فِيهَا وَلَا سَوَادَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، قَالَ‏:‏ لَوْنُهَا وَاحِدٌ، لَيْسَ فِيهَا سِوَى لَوْنِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، مِنْ بَيَاضٍ وَلَا سَوَادٍ وَلَا حُمْرَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، هِيَ صَفْرَاءُ، لَيْسَ فِيهَا بَيَاضٌ وَلَا سَوَادٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏(‏لَا شِيَةَ فِيهَا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَا بَيَاضَ فِيهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏}‏‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ الْآنَ بَيَّنْتَ لَنَا الْحَقَّ فَتَبَيَّنَّاهُ، وَعَرَفْنَا أَيَّةَ بَقَرَةٍ عَنَيْتَ‏.‏ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ قَتَادَةُ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏}‏، أَيِ الْآنَ بَيَّنْتَ لَنَا‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ نَسَبُوا نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِمْ بِالْحَقِّ فِي أَمْرِ الْبَقَرَةِ قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ اضْطُرُّوا إِلَى بَقَرَةٍ لَا يَعْلَمُونَ عَلَى صِفَتِهَا غَيْرَهَا، وَهِيَ صَفْرَاءُ لَيْسَ فِيهَا سَوَادٌ وَلَا بَيَاضٌ، فَقَالُوا‏:‏ هَذِهِ بَقَرَةُ فُلَانٍ‏:‏ ‏{‏الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏}‏، وَقَبْلَ ذَلِكَ وَاللَّهِ قَدْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏}‏، قَوْلُ قَتَادَةَ‏.‏ وَهُوَ أَنَّ تَأْوِيلَهُ‏:‏ الْآنَ بَيَّنْتَ لَنَا الْحَقَّ فِي أَمْرِ الْبَقَرِ، فَعَرَفْنَا أَيُّهَا الْوَاجِبُ عَلَيْنَا ذَبْحُهَا مِنْهَا‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ أَطَاعُوهُ فَذَبَحُوهَا، بَعْدَ قِيلِهِمْ هَذَا‏.‏ مَعَ غِلَظِ مَئُونَةِ ذَبْحِهَا عَلَيْهِمْ، وَثِقَلِ أَمْرِهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏، وَإِنْ كَانُوا قَدْ قَالُوا- بِقَوْلِهِمُ‏:‏ الْآنَ بَيَّنْتَ لَنَا الْحَقَّ- هُرَاءً مِنَ الْقَوْلِ، وَأَتَوْا خَطَأً وَجَهْلًا مِنَ الْأَمْرِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُبَيِّنًا لَهُمْ- فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ سَأَلُوهَا إِيَّاهُ، وَرَدٍّ رَادُّوهُ فِي أَمْرِ الْبَقَرِ- الْحَقَّ‏.‏ وَإِنَّمَا يُقَالُ‏:‏ ‏(‏الْآنَ بَيَّنْتَ لَنَا الْحَق‏)‏ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُبَيِّنًا قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ كُلُّ قِيلِهِ- فِيمَا أَبَانَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ- حَقًّا وَبَيَانًا، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لَهُ فِي بَعْضِ مَا أَبَانَ عَنِ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَأَدَّى عَنْهُ إِلَى عِبَادِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِمُ‏:‏ ‏(‏الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏)‏، كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ قَبْلَ ذَلِكَ‏!‏

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ سَلَفَ يَزْعُمُ أَنَّ الْقَوْمَ ارْتَدُّوا عَنْ دِينِهِمْ وَكَفَرُوا بِقَوْلِهِمْ لِمُوسَى‏:‏ ‏(‏الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏)‏، وَيَزْعُمُ أَنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُونَ مُوسَى أَتَاهُمْ بِالْحَقِّ فِي أَمْرِ الْبَقَرَةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقِيلِهِمْ كُفْرٌ‏.‏

وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَمَا قَالَ، لِأَنَّهُمْ أَذْعَنُوا بِالطَّاعَةِ بِذَبْحِهَا، وَإِنْ كَانَ قِيلُهُمُ الَّذِي قَالُوهُ لِمُوسَى جَهْلَةً مِنْهُمْ وَهَفْوَةً مِنْ هَفَوَاتِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَذَبَحُوهَا‏)‏، فَذَبَحَ قَوْمُ مُوسَى الْبَقَرَةَ، الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ لَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِذَبْحِهَا‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏)‏، أَيْ‏:‏ قَارَبُوا أَنْ يَدَعُوا ذَبْحَهَا، وَيَتْرُكُوا فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَادُوا أَنْ يُضَيِّعُوا فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي ذَبْحِ مَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ السَّبَبُ كَانَ غَلَاءَ ثَمَنِ الْبَقَرَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا، وَبُيِّنَتْ لَهُمْ صِفَتُهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِغَلَاءِ ثَمَنِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ‏:‏ ‏{‏فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ كَثْرَةِ قِيمَتِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ- فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ، ذَكَرَ أَنَّ حَدِيثَ بَعْضِهِمْ دَخَلَ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ- قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏، لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ، أَخَذُوهَا بِمِلْءِ مَسْكِهَا ذَهَبًا مِنْ مَالِ الْمَقْتُولِ، فَكَانَ سَوَاءً لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَذَبَحُوهَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ كَادُوا لَا يَفْعَلُونَ، وَلَمْ يَكُنِ الَّذِي أَرَادُوا، لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ لَا يَذْبَحُوهَا‏:‏ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ ‏"‏كَاد‏"‏ أَوْ ‏"‏كَادُوا‏"‏ أَوْ ‏"‏ لَوْ‏"‏، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ‏.‏ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَكَادُ أُخْفِيهَا‏)‏ ‏[‏طَهَ‏:‏ 20‏]‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ لَمْ يَكَادُوا أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ خَوْفَ الْفَضِيحَةِ، إِنْ أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَى قَاتِلِ الْقَتِيلِ الَّذِي اخْتَصَمُوا فِيهِ إِلَى مُوسَى‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ التَّأْوِيلِ عِنْدَنَا، أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكَادُوا يَفْعَلُونَ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ ذَبْحِ الْبَقَرَةِ، لِلْخِلَّتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا‏:‏ إِحْدَاهُمَا غَلَاءُ ثَمَنِهَا، مَعَ مَا ذُكِرَ لَنَا مِنْ صِغَرِ خَطَرِهَا وَقِلَّةِ قِيمَتِهَا؛ وَالْأُخْرَى خَوْفُ عَظِيمِ الْفَضِيحَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، بِإِظْهَارِ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَتْبَاعَهُ- عَلَى قَاتِلِهِ‏.‏

فَأَمَّا غَلَاءُ ثَمَنِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ لَنَا فِيهِ ضُرُوبٌ مِنَ الرِّوَايَاتِ‏.‏

فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ اشْتَرَوْهَا بِوَزْنِهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ ذَهَبًا، فَبَاعَهُمْ صَاحِبُهَا إِيَّاهَا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ اشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ جِلْدِهَا دَنَانِيرَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كَانَتِ الْبَقَرَةُ لِرَجُلٍ يَبِرُّ أُمَّهُ، فَرَزَقَهُ اللَّهُ أَنْ جَعَلَ تِلْكَ الْبَقَرَةَ لَهُ، فَبَاعَهَا بِمِلْءِ جِلْدِهَا ذَهَبًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ قَالَ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ أَعْطَوْا صَاحِبَهَا مِلْءَ مَسْكِهَا ذَهَبًا فَبَاعَهَا مِنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَقُولُ‏:‏ اشْتَرَوْهَا مِنْهُ عَلَى أَنْ يَمْلَئُوا لَهُ جِلْدَهَا دَنَانِيرَ، ثُمَّ ذَبَحُوهَا فَعَمَدُوا إِلَى جِلْدِ الْبَقَرَةِ فَمَلَئُوهُ دَنَانِيرَ، ثُمَّ دَفَعُوهَا إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ وَجَدُوهَا عِنْدَ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بَائِعَهَا بِمَالٍ أَبَدًا، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى جَعَلُوا لَهُ أَنْ يَسْلَخُوا لَهُ مَسْكَهَا فَيَمْلَئُوهُ لَهُ دَنَانِيرَ، فَرَضِيَ بِهِ فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ‏:‏ لَمْ يَجِدُوهَا إِلَّا عِنْدَ عَجُوزٍ، وَإِنَّهَا سَأَلَتْهُمْ أَضْعَافَ ثَمَنِهَا، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى‏:‏ أَعْطُوهَا رِضَاهَا وَحُكْمَهَا‏.‏ فَفَعَلُوا، وَاشْتَرَوْهَا فَذَبَحُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ، قَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ‏:‏ لَمْ يَجِدُوا هَذِهِ الْبَقَرَةَ إِلَّا عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَبَاعَهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا، أَوْ مِلْءِ مَسْكِهَا ذَهَبًا- فَذَبَحُوهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ‏:‏ وَجَدُوا الْبَقَرَةَ عِنْدَ رَجُلٍ، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي لَا أَبِيعُهَا إِلَّا بِمِلْءِ جِلْدِهَا ذَهَبًا، فَاشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ جِلْدِهَا ذَهَبًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ جَعَلُوا يَزِيدُونَ صَاحِبَهَا حَتَّى مَلَئُوا لَهُ مَسْكَهَا- وَهُوَ جِلْدُهَا- ذَهَبًا‏.‏

وَأَمَّا صِغَرُ خَطَرِهَا وَقِلَّةُ قِيمَتِهَا، فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ يَحْيَى‏:‏

حَدَّثَنَا قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ ثَمَنُهَا إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ‏.‏

وَأَمَّا مَا قُلْنَا مِنْ خَوْفِهِمُ الْفَضِيحَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الْقَوْمَ إِذْ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ، إِنَّمَا قَالُوا لِمُوسَى‏:‏ ‏(‏أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا‏)‏، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ سَيَفْتَضِحُونَ إِذَا ذُبِحَتْ، فَحَادُوا عَنْ ذَبْحِهَا‏.‏

حُدِّثْتُ بِذَلِكَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الْقَوْمَ، بَعْدَ أَنْ أَحْيَا اللَّهُ الْمَيِّتَ فَأَخْبَرَهُمْ بِقَاتِلِهِ، أَنْكَرَتْ قَتَلَتُهُ قَتْلَهُ، فَقَالُوا‏:‏ وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ؛ بَعْدَ أَنْ رَأَوُا الْآيَةَ وَالْحَقَّ‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدْثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏